سند الحبيب علي الجفري في رواية الجامع الصحيح
الاستماع إلى سند الحبيب علي الجفري
Audio clip: Adobe Flash Player (version 9 or above) is required to play this audio clip. Download the latest version here. You also need to have JavaScript enabled in your browser.
قراءة عن شيخه العارف الحبيب عبد القادر بن أحمد السقاف ، وهو يرويه قراءة عن أبيه الإمام أحمد بن عبد الرحمن السقاف ، الذي يرويه قراءة عن شيخه الإمام علي بن محمد الحبشي الذي يرويه ، عن شيخه الإمام عيدروس بن عمر الحبشي ، وهو مسند حضرموت وله ثبت اسمه “منحة الفتاح الفاطر في أسانيد السادة الأكابر” ، ذكر فيه أسانيده في مروياته ، عن شيخه الإمام عبد الله بن أحمد باسودان قال : أرويه عن شيخنا السيد الإمام عمر بن عبد الرحمن البار ، عن شيخنا وشيخه السيد البقية حامد بن عمر بن حامد آل أبي علوي، عن شيخه الحبيب عبد الرحمن بن عبد الله بلفقيه ، عن شيخه المسند الحسن بن علي العُجيمي والشيخ أحمد بن محمد المثلي ، عن شيخهما حافظ عصره محمد بن علاء الدين البابلي ، وهو يرويه عن أبي النجا سالم بن محمد السمهوري ، عن خاتمة الحفاظ النجم محمد بن أحمد الغيطي ، عن شيخ الإسلام زكريا بن محمد الأنصاري ، عن أمير المؤمنين في الحديث الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، عن شيخه إبراهيم بن أحمد التنوخي وعبد الرحيم بن رزين الحموي ، عن أبي الفضل أحمد بن أبي طالب الحجار ، عن الحسين المبارك الزبيدي عن أبي الوقت عبد الأول بن عيسى الهروي ، عن أبي الحسن عبد الرحمن بن المظفر الداودي ، عن أبي محمد عبد الله بن أحمد السرخسي ، عن أبي عبد الله بن محمد بن يوسف بن مطر الفربري ، عن أمير المؤمنين في الحديث أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالى …..
تكملة حديث الحبيب عن منهج البخاري في الجامع الصحيح
جمع الإمام البخاري -رحمه الله تعالى – هذا الصحيح من 600 ألف حديث كان يحفظها بأسانيدها رحمه الله تعالى، وحوى هذا الصحيح ما يزيد عن أل 2000 حديثا ، فعندما يصطفي الإمام البخاري ما يزيد عن أل 2000 من 600 ألف حديث يدرك أحدكم عند تفكره في هذه المسألة عظيم الجهد الذي بذله المحدثون والخادمون لسنة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم في خدمة هذه السنة..
و قبل الشروع في شرح الكتاب، أُنبه عن مسائل :
أولها: أن كثيراً من الناس يظن ويتوهم أن الأحاديث الصحيحة محصورة على البخاري أو على البخاري ومسلم فقط، وهذا خطأ، فتسمع بعض المبتدئين من طلبة العلم يقولون هل هذا الحديث موجود في البخاري ومسلم ؟ فإذا لم يكن موجودا لا في البخاري ولا مسلم فأنا لا أعترف به ، فنقول هذا الرأي خلاف الصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة، لأن الأحاديث الصحيحة منبثة في كتب الصحاح وفي السنن وفي المسانيد وفي الأجزاء وفي الأطراف ، فلا تقتصر الأحاديث الصحيحة على صحيح البخاري ومسلم ، فهذه هي المسألة الأولى..
المسالة الثانية: أنه يوجد في صحيح البخاري -كما يوجد في صحيح مسلم -أحاديث صحاح من حيث السند، لكن لا يجوز العمل بها من حيث الفقه، وهذه مسألة ينبغي التنبه إليها، فلا يكفي في صحة الحديث سنداً أن نعمل به، وما قاله الإمام الشافعي :”إذا صح الحديث فهو مذهبي” لا يقتصر المقصود به على صحة السند، فلا يكفي أن تقرأ حديثاً لتعمل به، وكلمة إذا صح الحديث فهو مذهبي ترجع إلى أحد أمرين : ترجع إلى صحة المتن والسند أولاً، وهذا مكفول في البخاري ومسلم، فجميع ما في البخاري ومسلم من أحاديث مسندة صحيحة السند، والمسألة الثانية أن الصحة أيضاً يقصد بها صحة الاستدلال، بمعنى أنه قد يكون الحديث صحيحاً من حيث السند لكنه منسوخ من حيث الاستدلال، أي قد نسخ العمل به، وقد يكون الحديث صحيحاً في السند لكنه مؤول لغيره، لأن ما أصح منه جاء على خلافه.
فلا يكفي أن نعرف الحديث الصحيح لنعمل به في عبادتنا ، ولهذا ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز أن مسالة الأخذ والاستنباط هي بمن اجتمعت فيهم أهلية الاستنباط ، “لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ” ، فعرفنا من ذالك أن الاستنباط ليس لكل من قرأ الحديث الصحيح ، ولا حتى لمن حفظ الحديث الصحيح ، ولهذا يفرق العلماء بين المحدث والفقيه ؛ فالمحدث مهمته التأكد من صحة الحديث في سنده ، أي مايتعلق بخدمة سند الحديث ومتن الحديث، والفقيه مهمته أخذ الحكم من الحديث ، فلا يكفي أن يكون الإنسان محدثاً ليأخذ الأدلة من الكتاب والسنة .
ومثل المحدث في عصرنا الحاضر -أو في عرفنا الحاضر -كمثل عامل المنجم الذي لولاه ما استخرجنا المعادن الغالية، فمهمة المحدث أن يستخرج المعادن الغالية من المناجم ، ويصفيها حتى يبدو بريقها ، وأما صياغتها بعد ذلك إلى حلي أو أدوات يستفيد منها الناس فهذه مهمة إنسان آخر، هي مهمة الذي يصيغ أو الذي يصب المعادن ويحولها إلى آلات نستطيع التعامل معها،
فمثلاً هذه الآلة ( مكبر الصوت ) مركبة من عدة أشياء فجزء من تركيبها معدن الحديد أليس كذلك ؟ فهل من الممكن للمسئول عن استخراج الحديد من مواطنه من الجبال ومن مناجمه أن يصيغ لنا مكبر الصوت هذا؟؟ قطعا لا…وبالقياس فمهمة المحدث استخراج الأحاديث من مناجمها التي هي كتب الصحاح والمسانيد والسنن والأطراف والأجزاء ومهمة الفقيه المجتهد أن يحولها وأن يصيغها من معادن مجرده إلى قوالب يمكن أن نستفيد منها في حياتنا.
هذه المسالة الثانية التي ينبغي أن نتنبه لها فالفتوى لا تؤخذ من المحدث وإنما تؤخذ من الفقيه ، وقد يجتمع الوصفان أي وصف المحدث والفقيه في رجل واحد كمثل الإمام البخاري رحمه الله فقد كان محدثا وذكر عدد من العلماء انه كان صاحب مذهب أي صاحب اجتهاد …قال العلماء فقه البخاري في تراجمه فكيف كانوا يعرفون اختيارات الإمام البخاري الفقيه وهو لم يرو عنه تأليف كتاب في الفقه ؟ قالوا من عناوينه ومن تراجمه …ما معنى تراجمه ؟….عناوين الأبواب …فتقرأون ما تسمعونه في الدرس باب فضل رمضان.. باب فضل صوم رمضان .. باب الصوم .. باب صلاة التراويح في كتاب صلاة التراويح.. باب كذا .. فتبويب الإمام البخاري هكذا إنما يعرب عن مذهبه وعما ذهب إليه من استنباط في الحديث.
ومن المحدثين ممن كان محدثا وفقيها كذلك الإمام مسلم فقد كان محدثا وكان شافعي المذهب رحمه الله تعالى وكذالك البيهقي وهكذا.. فإذاً لا يكفي في الإنسان أن يكون عالما في الحديث ولو متبحرا في الحديث ولو حافظاً في الحديث حتى يأخذ عنه الحكم الشرعي..
المسألة التي تليها – وهي مسألة كثر الجدل فيها اليوم ولهذا استحسن أن نتنبه إليها – إذ كثر الكلام اليوم عن صحيح البخاري -رحمه الله تعالى – وعن صحيح مسلم ، فصار بعض من لا مكنة له بالعلم يطعن في بعض الروايات فيقول في صحيح البخاري الرواية الفلانية في سندها فلان تكلم عليه فلان وفلان من رجال الجرح والتعديل إذا هناك شك في الصحة، فيقال لهم إن الذين قالوا إن جميع ما في البخاري ومسلم من الأحاديث المسندة صحيح لم تفتهم مثل هذه المسألة…. بعض الناس يتوهم انه إذا اكتشف مسالة أو قرأ نصاً وكأنه اكتشف منجما جديداً أو كنزا جديداً لم يقف عليه المتقدمون.. وفاتهم أن صحيح البخاري قد شرح واختصر و جرد وعلق على الشروح و وضعت الحواشي على الشروح و الآلاف وعشرات الآلاف.. بل مئات الآلاف من العلماء قد مروا على الصحيح وهم الذين قالوا إن جميع ما فيه من الأحاديث المسندة صحيحة ولم يفتهم أن بعض مرويات البخاري في رجال سندها ..وكذلك مسلم بعض الرجال المتُكلم فيهم وبحثوا هذه المسألة ووجدوا أن الروايات القليلة التي فيها رجالاً تُكلم فيهم وردت من طرق أخرى صحيحة .
تأملوا هذه المسالة بعض الروايات التي تكلم البعض في سندها في صحيح البخاري ومسلم وردت في غير البخاري ومسلم بسند أخر صحيح بنفس النصوص بنفس الروايات ، إذا الروايات هنا ما حكمها ؟ صحيحة لأنها وردت بأسانيد صحيحة ، وقد أفاض الإمام ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- في هذه المسألة في مقدمة شرحه للبخاري.. وهو أعظم من شرح البخاري بعنوان فتح الباري هذا كتاب الإمام ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري …قال الإمام الشوكاني – رحمه الله تعالى – عندما قيل له لماذا لا تشرح صحيح البخاري ؟؟ فقال لا هجرة بعد الفتح ، فهو يستشهد هنا بحديث قاله النبي صلى الله عليه واله وصحبه وسلم بعد فتح مكة ، لكنه هنا استعار هذا المعنى الذي في الحديث وانزله على فتح الباري فقال لا هجرة بعد الفتح أي من هذا الذي سيحسن أن يورد على صحيح البخاري مثلما أورده الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى.
المسألة التي تليها أن صحيح البخاري شرحه عدد من الأئمة على رأسهم من ذكرت وهو الإمام ابن حجر العسقلاني ، وأيضاً شرحه الإمام الحافظ القسطلاني من كبار علماء الأزهر الشريف رحمه الله تعالى كما كان ابن حجر أيضا من كبار علماء الأزهر الشريف ، وكم خرج الأزهر الشريف للأمة من أكابر وكم وجه للائمة من نفع.. فالإمام الحافظ القسطلاني له شرح اسمه إرشاد الساري إلى صحيح البخاري و هو مختصر في حجمه اقل اتساع من فتح الباري غير انه تميز بأمر وهو أن الإمام القسطلاني- رحمه الله تعالى – كان إذا وصل إلى حديث من الأحاديث المكررة أي التي كررها الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه؛ لا يكتفي بالإحالة على الموضع الذي شرحه من قبل الإمام ابن حجر، كان إذا وصل إلى حديث قد ذكر في باب من قبل وقد شرحه يقول وقد تقدم شرحه في باب كذا.. وقد تقدم شرحه في الباب الفلاني لكن القسطلاني يعيد خلاصة الشرح في مكانه ، لهذا كان مشايخنا رحمهم الله تعالى وحفظ الله من بقي منهم يقول إذا استحضرتم الشروح في درس البخاري فاستحضروا فتح الباري واستحضروا إرشاد الساري حتى إذا وصلنا إلى حديث نحتاج المراجعة فيه نجد أن الإمام القسطلاني قد أعاد المسائل المتعلقة بالحديث أو شرح -ولو شرحاً موجزًا- هذا الحديث.
وقد كثر شراح البخاري وليس هناك مجال للبسط في ذكرهم ، وكتاب الصوم في صحيح البخاري- وهو ما نقصده قراءة وشرح ما تيسر منه في هذه الأيام المقبلة إن شاء الله عز وجل - مكون من 69 باب نشرح في هذه المجالس- بإذن الله تعالى- ما تيسر منها تغانماً لبركة هذا الشهر الكريم وتهيئاً لحسن القيام فيه بمراد الله عز وجل.
تابعونا