ربط الرواية المختصرة التي وردت في ذيل المجلس السابق عن باب حق الضيف في الصوم بحديث اليوم عن باب حق الجسم في الصوم ، ضمن تقسيم الإمام البخاري رحمه الله لأبوابه حسب ترتيب الحقوق ، ولهذا حث الرسول عليه الصلاة والسلام سيدنا عبد الله بن عمرو على الأخذ بصيام نبي الله داوود عليه السلام إذ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى، لأن إعطاء كل ذي حق حقه يورث الأمة تكاملاً في قوتها، لكن عندما يهتم الإنسان بجزئية في دينه مع إغفال الاعتناء بباقي الجزئيات يورثه خللاً في التصرفات، و اختلال حق الجسم يورث اختلال التصرفات في الأمة ككل، ومن ثم فإن عدم اتزان التنشئة بغرض البناء  والعمران يوجه الطاقات نحو الهدم والتخريب.

    فقد كان الاعتراض على مجاهدة عبد الله بن عمرو نفسه بقوله – في رواية النسائي -لأَقُومَنَّ اللَّيْلَ وَلأَصُومَنَّ النَّهَارَ مَا عِشْتُ، فالرسول عليه الصلاة والسلام أقام ميزان الاعتدال في الأمة- بالنظر إلى ثلاثة معاني لصوم الدهر- فوضع حد وسط في صيام النفل ما بين صيام ثلاثة أيام وصوم نبي الله داوود تدرج بها النبي عليه الصلاة والسلام في خطابه لعبد الله بن عمرو، فمن عمق الشريعة أنها لم تجعل إتباعنا للرسول عليه الصلاة والسلام على درجة واحدة وإنما على درجات متعددة ما بين صيام ثلاثة أيام إلى درجة من الصيام لم يجعلها النبي صلى الله عليه وسلم من صيامه بل نسبها إلى نبي الله داوود ، وأنه لا أفضل من هذا لأنه انتهاء لحد الوسط المشروع في صوم النفل. مع التمثيل بنماذج من مجاهدات السلف الصالح لأنفسهم في الطاعات.

* استمع للحلقة

نص البخاري

بَابُ حَقِّ الْجِسْمِ فِي الصَّوْمِ

• حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَبْدَ اللهِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ فَقُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ فَلَا تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا فَإِذَنْ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً قَالَ فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ قُلْتُ وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ نِصْفَ الدَّهْرِ فَكَانَ عَبْدُ اللهِ يَقُولُ بَعْدَ مَا كَبِرَ يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

تخريج الأحاديث حسب السياق

• كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى( البخاري، بَابُ حَقِّ الْأَهْلِ فِي الصَّوْمِ)
• لأَقُومَنَّ اللَّيْلَ وَلأَصُومَنَّ النَّهَارَ مَا عِشْتُ( سنن النسائي، باب صوم يوم وإفطار يوم )
• مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( البخاري، باب قول النبي صلى الله عليه و سلم ( إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا )
• قُلْتُ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ قُلْتُ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ فَقُلْتُ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ.
• إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ وَلَهُ وَالِدَةٌ وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَمُرُوهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ ( مسلم، باب مِنْ فَضَائِلِ أُوَيْسٍ الْقَرَنِىِّ رضي الله عنه)
• إنا قوم أعزنا الله بالإسلام فلن نبتغي العزة بغيره ( الحاكم في مستدركه1/131 ( 208)