المجلس التاسع عشر: باب صوم يوم الجمعة

 

        ثلاثة أبواب متتالية يستقصي فيها الإمام البخاري رحمه الله تعالى ما كان من صوم الرسول عليه وآله الصلاة والسلام في آخر شهر شعبان وفي يوم الجمعة وما إذا كان عليه الصلاة والسلام يخص شيئاً من الأيام بالصوم ، والجامع بين الأبواب الثلاثة استيضاح ما بها من إشكال يتعلق بالتساؤل حول هل يجوز لنا صوم آخر يوم من شعبان ؟ أو صوم يوم الجمعة أو يوم السبت ؟ وماذا عن صوم الاثنين والخميس في ظل حديث السيدة عائشة رضي الله عنها أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن يخص شيئاً من الأيام بالصوم ؟

وخلاصة المجلس :

  • يجوز صيام أيام من آخر شهر شعبان لمن كان له ورد بذلك ، كمن يصوم الاثنين والخميس أو يصوم يوماً ويفطر يوماً ، فليس له أن يمتنع عن الصوم في أخر أيام شهر شعبان لأن ظاهر حديث الباب الأول أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يخاطب رجلاً من ورده صوم هذه الأيام، ولأن المداومة على العمل من سنن الأنبياء.

  • أن النهي المقصود في باب صوم الجمعة هو النهي عن إفراده بالصوم لمن لم يكن له مداومة ، فالذي يصوم يوماً ويفطر يوماً قد يصادف حتماً إفراد يوم الجمعة بصيام

  • أن السيدة عائشة رضي الله عنها في نفيها  أن يخص الرسول عليه الصلاة والسلام يوماً بالصوم في الباب الثالث ، كانت تقصد يوماً بخلاف الإثنين والخميس

       بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، وبالسند الصحيح المتصل إلى إمام المحدثين أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن بردزبة البخاري الجعثي رحمه الله تعالى ونفعنا به وبسائر الصالحين إلى يوم الدين، قال “باب الصوم آخر الشهر“.

* استمع للحلقة 

نص البخاري

بَابُ الصَّوْمِ آخِرَ الشَّهْرِ

- حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ عَنْ غَيْلَانَ وحَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا غَيْلَانُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَأَلَهُ أَوْ سَأَلَ رَجُلًا وَعِمْرَانُ يَسْمَعُ فَقَالَ يَا أَبَا فُلَانٍ أَمَا صُمْتَ سَرَرَ هَذَا الشَّهْرِ قَالَ أَظُنُّهُ قَالَ يَعْنِي رَمَضَانَ قَالَ الرَّجُلُ لَا يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ لَمْ يَقُلِ الصَّلْتُ أَظُنُّهُ يَعْنِي رَمَضَانَ قَالَ أَبُو عَبْد اللهِ وَقَالَ ثَابِتٌ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَرَرِ شَعْبَانَ.

أَمَا صُمْتَ سَرَرَ هَذَا الشَّهْرِ

       بسم الله الرحمن الرحيم، في هذا الحديث من هذا الباب الذي عنون له الإمام البخاري وترجم له بقوله “باب الصوم آخر الشهر”، ذكر حديثاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأل رجلاً فيه “أما صمت سرر هذا الشهر” وسرر الشهر آخره، يقال سُرَّة الشيء، وسَرَر الشيء، وسُرَر الشيء، وسِرَر الشيء، وكلها صحيحة في اللغة العربية وأفصحها سَرَر، والمقصود بها هنا هو آخر الشهر، وبعض العلماء رأى أن سَرَ الشيء هو وسطه، أي أنه بمنزلة السرة من الجسم، لكن الأشهر هو أن سَرَر الشيء هو آخره.

اختلاف التفسير حسب معنى السرر ورجح الإمام البخاري أن المقصود بها آخر الشهر

      والمقصود هنا اختلف باختلاف مفهوم اللغة بتفسير السرر، فالذين فسروا السرر بأنه وسط الشهر قالوا بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد بذلك الأيام الثلاثة البيض التي يسن صيامها من كل شهر، والتي سميت بالبيض لأنها الأيام التي يكون فيها البدر تاماً مكتملا، فيكون ضوء البدر فيه وسناء البدر فيه زاهراً، فلياليه بيض، واستحب لنا أن نصوم الأيام البيض من كل شهر .

      وجاء أن ذلك يعدل صيام الدهر، أي أجره كأجر صيام الدهر كله، والسر من وراء ذلك كما قال العلماء هو أن كل حسنة بعشرة أمثالها، فاليوم بعشرة أيام، فإن صام الإنسان ثلاثة أيام كان كل يوم بعشرة، فصار المجموع ثلاثين، فكان ذلك استغراقاً لبقية الشهر، فكأنما صار الدهر كله. وذكر غير هؤلاء من العلماء أن المقصود بسرر الشيء آخره، وهذا ما ذهب إليه الإمام البخاري، ولهذا عنون للباب بهذا العنوان “آخر الشهر”.

     هنا قال أحد الرواة “أظنه يعني رمضان”، أي أن النبي سأل رجلاً من المسلمين قال: ”أما صمت سرر الشهر؟”، أحد الحاضرين أو الذين رووا هذه الرواية يقول: لعله يعني رمضان، ولكن الراجح أنه يعني شعبان، وهو ما ذكر في الرواية الأخرى.

           وما المقصود هنا من سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم من السؤال عن صوم آخر شعبان؟ هل من المستحب أن يصوم الإنسان آخر شعبان؟ لا، ليس من المستحب أن يصوم الإنسان آخر شعبان، بل لو تعمد إنسان أن يصوم يوم الشك فقد ارتكب مخالفة، “من صام يوم الشك فقد عصى أبى القاسم” صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا لا يستحب أن يصام آخر شعبان بل هناك نهي على سبيل التنزيه من الصيام في النصف الأخير من شعبان، استحب لنا من نصف شعبان أن لا نصوم، لم؟ قالوا لأن الخمسة عشر يوما ما قبل رمضان إذا أفطر الإنسان فيها تهيأت نفسه للصيام، تجدد نشاطه للصوم وتجددت همته للصوم.

هل يستحب صوم أيام من آخر شهر شعبان

      لكن الاستثناء الذي فيه النهي عن صيام النصف الثاني من شعبان، جاء هناك استثناء لأقوام من الذين لهم ورد من الصيام، فمثلاً الذي اعتاد أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، لا يتوقف في النصف الثاني من شعبان، بل يواصل، ولو واطأ صيامه يوم الشك يصوم، لا على أساس أنه يوم الشك، وإنما يصومه على أساس أنه من ورده الذي اعتاد أن يصومه، ولو كان هناك من يواظب على صيام الاثنين والخميس فليستمر في صيام الاثنين والخميس ولو في النصف الثاني من شهر شعبان، ولو واطأ ذلك يوم الشك عند الأكثرين على اعتبار أنه يصوم للورد وليس للشك.

الأرجح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخاطب رجلاً كان من ورده أن يصوم هذه الأيام

       من هذا المعنى قال شراح هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان  يخاطب رجلاً من ورده أن يصوم في هذه الأيام، فكأن الرجل ترك ورده الذي اعتاد عليه من الصوم بسبب ما بلغه من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى عن الصيام في النصف الثاني، أي سمع أن النبي نهى عن الصيام في النصف الثاني من شعبان، فترك شيئاً كان قد جعله ورداً من أوراده يواظب عليه.

       فأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ينبهه إلى أن الورد لا يترك في النصف الثاني من شعبان فسأله عن صيامه، فقال: أفطرت؟ قال: فصمت يومين، أي عوضاً عن اليومين الذين أفطرت فيهما لأن الإنسان إذا اعتاد ورداً من الأوراد ثم تركه يستحب له أن يقضي هذا الورد، بل قال بعض الفقهاء يجب أن يقضيه إن كان صوم نافلة، والأكثرون على أنه يستحب أن يقضيه.

المداومة على العمل من سنن الأنبياء

       قالوا لأن أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل، فالديمة هذه سنة في الأنبياء، والأنبياء أعمالهم ديمة، حتى أن الأنبياء عليهم السلام كان أحدهم إذا اعتاد عملاً معينا من الطاعات لا يتركه بل يصبح في حقه ما يشبه الفرض، حتى أنه ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى بعد العصر، مع أن الصلاة بعد العصر منهي عنها، قالوا أنه صلى قضاء لبعدية الظهر عندما شغله بعض الوفود حتى خرج الوقت، فصلاها قضاء، والأوراد تقضى، قالوا ولأن عمل الأنبياء ديمة، استمر النبي الله عليه وآله وسلم على الصلاة بعد العصر، ونهى الناس عن الصلاة بعد العصر، فكانت له نوع من الخصوصية لأن الأنبياء أعمالهم ديمة.

       وهنا تأتي الفائدة في الأخذ عن العلماء والنظر فيما ورد عن شراح الحديث الشريف، وأن لا يجترئ الإنسان على الاستنباط قبل التأهل وإحاطة النظر في أقوال العلماء، فربما يأتي إنسان فيقرأ هذا النص، فيرى أمامه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لرجل: “أما صمت سرر هذا الشهر؟” قال: أظنه يعني رمضان، قال الرجل: لا يا رسول الله، قال: “فإذا أفطرت فصم يومين”. لم يقل الصلت: أظنه يعني رمضان. قال أبو عبد الله: وقال ثابت، عن مطرف، عن عمران، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من سرر شعبان). هنا مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه من شعبان، فهو الأرجح.

       فيأتي واحد يقول النبي يقول لرجل: لماذا لم تصم آخر شعبان؟ والرجل قال له لا ما صمت، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم اقض، فالمفهوم من الحديث أنه ينبغي أن يصوم آخر شعبان، فهذه صورة لأخذ ظاهر النص، وصورة النص. وإن كان الحديث صحيح السند، ولكن هناك أحاديث أخرى تشرح وتبين أن المقصود غير ذلك، لنعلم أن مسألة الأخذ من الكتاب والسنة لا تكون كلأ مباحاً لكل الناس، ولا لكل طلبة العلم، وإنما لأهل الاختصاص. “لعلمه الذين يستنبطونه منهم” فهم أهل اختصاص، في ذلك، وأهل بلوغ لرتبة الاجتهاد.

         فلهذا عندما ننظر في مثل هذا الحديث ونقرأ كلام الشراح، نراهم يقولون النبي يتكلم هنا عن شعبان، يقول هنا النص صريح “عن عمران عن النبي صلى الله عليه وسلم “من سرر شعبان”. فهم العلماء من ذلك أن الرجل كان له وردا من الصيام فتركه ظناً منه أنه يستحب له أن يترك، ففهمنا هنا من كلام العلماء وشرحهم للحديث معنى يتوجه به الحديث لينسجم مع الأحاديث الأخرى، فأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يشرح بعضها بعضاً، ويكمل بعضها بعضاً، ولا يتأتى أن نضرب حديثاً بحديث.

       جاءت قبل فترة موجة عند الشباب أكرمنا الله وإياهم ونبهنا الله وإياهم صاروا يقولون للناس هناك نهي عن صيام السبت فأفطروا في يوم عرفة لأنه صادف يوم السبت، وهذا باطل على رأي الجمهور من أهل السنة والجماعة، لأنهم قرؤوا حديثاً عن النهي عن صيام السبت، فالكلام هنا عن إفراد يوم السبت بالصيام، أما أن يرد يوم السبت مع يوم عرفة، فصيام يوم عرفة فيه حديث صريح أنه كفارة للسنة كلها، بل جاء في بعض الروايات للسنة التي فيها والسنة التي بعدها، فأصبح تضييع كثير من الخير على الناس بسبب قذف بعض الشباب المبتدئين أو المتوسطين من طلبة العلم على الأخذ من النصوص دون النظر إلى بقية النصوص الأخرى التي في نفس الباب.

         لهذا قالوا لا يصح للإنسان أن يجتهد في الاستدلال من الكتاب والسنة، في مسألة إلا إن وقف على ما ورد في الباب من هذه المسألة من روايات مختلفة، أي إذا أحاط بالروايات المختلفة في نفس الباب، وجمع بينها ونظر فيها وكان مؤهلاً للنظر، هنا له بعد ذلك أن يجتهد في الأمر إذا اجتمعت فيه شروط الاجتهاد.

بَابُ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ

فَإِذَا أَصْبَحَ صَائِمًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ يَعْنِي إِذَا لَمْ يَصُمْ قَبْلَهُ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَصُومَ بَعْدَهُ

- حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بْنِ شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ سَأَلْتُ جَابِرًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَالَ نَعَمْ زَادَ غَيْرُ أَبِي عَاصِمٍ يَعْنِي أَنْ يَنْفَرِدَ بِصَوْمٍ

- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ

- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ أَصُمْتِ أَمْسِ قَالَتْ لَا قَالَ تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا قَالَتْ لَا قَالَ فَأَفْطِرِي وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ الْجَعْدِ سَمِعَ قَتَادَةَ حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ أَنَّ جُوَيْرِيَةَ حَدَّثَتْهُ فَأَمَرَهَا فَأَفْطَرَتْ

الحديث هنا عن صيام يوم الجمعة وترجم له الإمام البخاري رحمه الله بقوله، باب صوم يوم الجمعة، فإذا أصبح صائماً يوم الجمعة فعليه أن يفطر.

ظاهر نص الأحاديث النهي عن صوم يوم الجمعة مطلقاً

        عندما يقرأ الإنسان هذه الترجمة،  أو هذه العنونة للنص، فظاهر النص أنه لا يتأتى إطلاقاً صيام يوم الجمعة، ولكن إن كان الصيام فرض، فهل يفطر يوم الجمعة؟ لا، في رمضان نصوم، لكن إذا صادف يوم الجمعة ورداً له، أيفطر؟ لا، إذا صام يوم الجمعة وصام يوماً قبله أو بعده، أيفطر؟ لا.

       إذاً، الأحاديث التي قرئت في هذا الباب يشرح بعضها بعضها، وهذا يؤكد، القاعدة التي أردنا التأكيد عليها في هز الدرس، وهي أن الإنسان لا ينبغي أن يأخذ نصاً ولو كان صحيحاً من الأحاديث فيعمل به استدلالاً دون النظر في الأحاديث الصحيحة الأخرى التي وردت في نفس المسألة أو في نفس الباب، لأن هذا يجعل الإنسان يحيد عن الصواب، فالأحاديث يبين بعضها البعض.

المقصود بالباب هو النهي عن إفراد يوم الجمعة بصيام

        وقد جاء في هذه الأحاديث الثلاثة التي قرئت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن إفراد يوم الجمعة بالصيام، وترتب على هذا النهي أنه أمر من صام أن يفطر إذا لم يكن يريد أن يصوم قبله أو بعده. وهذه جويرية رضي الله عنها وجدها النبي صلى الله عليه وآله وسلم صائمة في يوم الجمعة، فسألها: هل صمت قبله يوماً؟ هل صمت بالأمس؟ قالت: لا، هل ستصومين غداً؟ قالت: لا، قال: أفطري.

فَأَمَرَهَا فَأَفْطَرَتْ أمر إيجاب أم أمر استحباب وهل كان النهي عن كراهة أم تحريم

         هذا أمر من النبي صلى الله عليه وسلم، فهل الأمر هنا أمر إيجاب أم أمر استحباب بحيث يؤثم من صام يوم الجمعة؟ لا يحفظ عن قول أحد ممن يؤخذ بقوله من الجمهور بحرمة صيام يوم الجمعة، وإنما التحريم جاء في صيام يوم العيد، أي عيد الفطر وعيد الأضحى وكذلك عند الأكثرين أيام التشريق التي تلي عيد الأضحى، لكن يوم الجمعة لا يحفظ عن أحد ممن يعتد به من أهل المذاهب الأربعة المعتمدة من الجمهور أنه قال بحرمة صيام يوم الجمعة مع أن النبي هنا أمر جويرية بأن تفطر، كيف لا يؤخذ من ذلك وجوب الإفطار في يوم الجمعة؟ قالوا لأن النهي هنا نهي تنزيه، نهي كراهة وليس نهي تحريم، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم ربطه بصيام يوم قبله ويوم بعده، فأصبح النهي هنا ليس مرتبطاً بذات يوم الجمعة، ولكن هل يمكن للإنسان أن يصوم يوماً قبل العيد ويوماً بعد العيد فيصح له صوم يوم العيد؟ لا، لا يتأتى، إذاً النهي هنا متعلق بذات يوم العيد، لكن يوم الجمعة النهي هنا متعلق بإفرادها.

النهي عن صوم يوم العيد يتعلق بذاته  والنهي عن صوم الجمعة يتعلق بإفراده

      تكلم العلماء بعد ذلك في الحكمة، فقالوا لأن الجمعة يعد عيداً من أعياد المسلمين، عيداً صغيراً من أعياد المسلمين يتكرر في كل أسبوع، وجاءت أحاديث، تدل على ذلك أن الجمعة عيد من أعياد المسلمين، وأمرنا فيه بأخذ الزينة وأمرنا فيه بالتبكير وأمرنا بالتطيب، وأمرنا فيه بالنشاط في الطاعة، وأمرنا فيه بكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء هذا اليوم يوماً مميزاً من أيام المسلمين لهذا لا يستحب إفراد يوم الجمعة بالصيام.

الذي يصوم يوماً ويفطر يوماً قد يوافق إفراد يوم الجمعة بصيام

        ولكن يبنغي للإنسان أن يكون صومه للجمعة مشفوعاً بيوم قبل الجمعة أو بعد الجمعة أو أن يكون ورداً، وكيف يكون ورداً؟ مثل الذي يصوم يوماً ويفطر يوماً، الذي يصوم صوم داوود عليه السلام وهو أفضل الصيام كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم “أفضل الصيام صيام داوود”، صيام داوود يفطر يوم ويصوم يوماً آخر، فلو جعل الإنسان له ورداً من الإفطار وصيام يوم بيوم فلا بد أن يكون هناك أسبوع يصوم فيه جمعة وأسبوع لا يصوم فيه جمعة، أسبوع يصوم فيه جمعة لا قبله يوم ولا بعده يوم، ولكنه ورد، فالنهي هنا عن تعمد يوم الجمعة بالصيام لأنه يوم عيد عند المسلمين.

       وجاءت روايات أخرى فيها النهي عن صوم يوم السبت، أي إفراد يوم السبت بالصيام، ولكن الكلام هنا عن عدم تخصيص اليوم بعينه، إذاً اتفقنا على أن صيام يوم بعينه مكروه، ولكن إن صام قبله يوماً أو بعده يوماً أو صادف صومه ورداً انتهت الكراهة بذلك.

      وهنا يأتي سؤال عندما يقال “أفضل الصيام صيام داوود” عليه السلام، إفطار يوم وصيام يوم، فالذي يصوم كل يوم أليس أفضل من الذي يصوم يوماً ويفطر يوماً؟ قالوا من حيث الأجر لا، لسببين، السبب الأول هو أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن الأفضل صيام داوود، والسبب الأول يفسر السبب الثاني، والسبب الثاني هو أن صيام يوم وإفطار يوم أصعب من صيام الأيام المتتالية، لأن في صيام الأيام المتتالية يألف الجسم فيها الصيام، فإذا ألف فيها الصيام ذهب عنه التعب، والإحساس بتعب الصيام، وأنتم تلاحظون هذا في شهر رمضان، ربما يتعب الإنسان في الأيام الأولى بسبب عمله أو سهره أو جهده، لكن إذا مرت الأيام يصبح الصيام سهلاً ومعتاداً عند النفس، ومن مقاصد الصيام مع طلب الأجر والتقرب لدى الله مجاهدة النفس، صيام يوم وإفطار يوم آخر فيه مجاهدة للنفس لهذا صار أفضل من صيام الأيام كلها.

       أما صيام الأيام كلها فهو مستحب أو جائز أو مكروه أو محرم، فمبحث اختلف فيه الفقهاء، والجمهور على عدم تحريمه، فالكلام هنا بين الكراهة والاستحباب والإباحة. فقالوا إن تعمد صيام الدهر بالاستمرار وشمل بصيام الدهر صيام العيد أصبح محرماً، لأنه صام يوماً نهى النبي عن صيامه، وإن صام الأيام كلها إلا الأيام التي وجب علينا فيها الإفطار فيقال أنه غير آثم وينظر هل سيستمر على ذلك مدة العمر فالأولى خلافه، والأولى أن لا يفعل، قالوا فلماذا إذاً يصوم سنة أو سنتين يواصل فيها الصيام بمعنى أن يصوم كل يوم إلا أيام العيد، قالوا إن نوى بذلك مجاهدة النفس فلا إشكال فيه، وقد ورد ذلك عن جماعة من السلف الصالح من التابعين ومن جاء من بعدهم من صام منهم جميع أيام السنة إلا أيام العيد أفطروا فيها بنية مجاهدة النفس، بنية ترويض النفس، ترقيق النفس، ولهم في ذلك مندوحة والسلف الصالح محل اقتداء للأمة

       ولكن الأصعب على النفس والأفضل في الأجر بعد ذلك أن يستمر الإنسان على صيام داوود عليه السلام، وقد مر معنا في مجالس ماضية من أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يصوم الدهر كله نهاه وقال له: “يكفيك أن تصوم ثلاثة أيام من كل شهر” فقال له: يا رسول الله إني أطيق أكثر من ذلك، قال: “إذاً الاثنين والخميس”، قال له: يا رسول الله إني أطيق أكثر من ذلك، شباب عنده همة في الطاعة والعبادة، رضي الله عن شباب كانوا يتربون على همة الطاعة والعبادة، وواأسفاه من شباب الآن تمر عليهم الأعمار والهمم ضعيفة في الطاعة والعبادة، يبحث عن الإمام الذي يقلل أكثر في التراويح والذي يقلل الركعات والذي والذي والذي، حتى صار في سباق، يقول فلان ما شاء الله نص ساعة يكون خلص الصلاة كلها. يقول آخر: نص ساعة! قديم إمامكم هذا، عندنا ثلث ساعة وخلص الصلاة كلها.

       يرحم الله الشيخ عبد الحميد كشك، قال كان هناك إمام يصلي بالناس يقرأ “الرحمن” الله أكبر، في التراويح، لما وصل إلى قوله تعالى “مدهامتان” قرأها في ركعة وركع، فلما انتهى من الصلاة قال له أحد المصلين: مالك؟ طولت، مدهامتان، لمَ لم تقل مدهامة واحدة تكفي، رحم الله الشيخ عبد الحميد كشك.

       الشاهد من وراء ذلك أن الهمم صارت تضعف عند الناس، ينبغي للمؤمن أن يحرص على الطاعة والعبادة، كان الصحابة رضي الله عنهم سباقين إلى الطاعة والعبادة والنبي صلى الله عليه وسلم يأمرهم بالتريث، يعيدهم إلى التوسط، فهذا عبد الله بن عمرو بن العاص يقول له النبي: يكفيك صيام الاثنين والخميس، فقال له: يا رسول الله إن أطيق أكثر، قال له: يكفيك أن تصوم يوم وتفطر يومين، قال: يا رسول الله إني أطيق أكثر، قال: إذاً فصيام داوود أفضل الصيام تفطر يوماً وتصوم يوماً آخر، قال: يا رسول الله إني أطيق أكثر، قال: لا صوم فوق ذلك أي يكفيك لأنك ستستمر، الكلام هنا عن المداومة، يقول سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص، فلما كبرت ندمت لأني لم آخذ برخصة رسول الله، كبرت وبدأ التعب عندي والضعف، وألزمت نفسي على صيام يوم وإفطار يوم فتمنيت أني كنت أخذت بنصح رسول الله صلى الله عليه وسلم.

باب هَلْ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الأَيَّامِ

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قُلْتُ لِعَائِشَةَ ـ رضى الله عنها ـ هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْتَصُّ مِنَ الأَيَّامِ شَيْئًا قَالَتْ لاَ، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يُطِيقُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُطِيقُ.

      هذا الحديث من صحيح البخاري تذكر فيه السيدة عائشة أمنا وأم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها وأعلى درجاتها وأجزل مثوباتها وحشرنا في زمرتها وزمرة زوجها وأبيها صلى الله عليه وآله وسلم.

       في هذا الباب يقول الإمام البخاري هل يخص شيئاً من الأيام؟ أي هل يندب تخصيص يوم بعينه للصيام عن غيره من الأيام، هنا روى حديثاً عن السيدة عائشة أنها سئلت هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يختص من الأيام شيئاً؟ أي بالصوم، قالت: لا، أي أنه لا يخصص يوماً بعينه، وهذا الحديث الصحيح المروي عن السيدة عائشة في ظاهره تعارضه أحاديث أخرى صحيحة، من أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الإثنين، ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن صيامه ليوم الاثنين قال: هو يوم ولدت فيه، ففرح النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمولده بالصيام في كل اثنين.وفي الروايات الأخرى الصحيحة أنه كان يصوم كل اثنين وخميس في ذلك أن الأعمال تعرض على الله صبيحة كل اثنين  وخميس، وأحب أن يعرض عملي على الله وأنا صائم. فكيف يجمع بين هذه الأحاديث وبين قول السيدة عائشة ؟

كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تقصد يوماً بخلاف الاثنين والخميس

        قال العلماء، يجمع بين هذه الأحاديث بأن السيدة عائشة تعني يوماً غير الاثنين والخميس، لم؟ قالت لأنه إذا خص شيئاً استمر عليه، لأن عمله كان “ديمة” صلى الله عليه وسلم، وكما ذكرنا قبل قليل أن الأنبياء إذا عملوا شيئاً واظبوا عليه، ولم يتركوه، بل قال بعض العلماء صار واجباً في حق الأنبياء، إن رتبوا على أنفسهم شيئاً من الطاعة، ففهموا من ذلك أن الرواية لا تعني الاثنين والخميس، استثنوا منها الاثنين والخميس.

ما يروى عن أفراد من سادتنا الصحابة وكلهم عدول لا يعد إطلاقاً

       وهنا يأتي فهم ينبغي التنبه إليه، أن ما يروى عن أفراد من ساداتنا الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وكلهم عدول صادقون، لكن إن روي عن أحدهم رواية فيها نفي لشيء، لا يعد هذا النفي إطلاقاً، لأنه قد يكون هذا الصحابي نفى ما رأى هو وسمع، ما رأيت، ما سمعت فنفيت، ولكن قد يكون هناك صحابي آخر رأى وسمع، لهذا قال العلماء، من حفظ حجة على من لم يحفظ، مثل قول السيدة عائشة رضي الله عنها في الحديث الصحيح ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد عشر ركعة لا في رمضان ولا في غير رمضان، قالوا أن هذا الحديث هو ما رأته السيدة عائشة، والسيدة عائشة رأت تسع ليالي النبي، وجاء حديث آخر عن أم سلمة أنه صلى ثلاثة عشر ركعة، فزاد على الأحد عشر ركعة، إذاً لا ينبغي أن يأتي أحد ويحتج بحديث السيدة عائشة فيقول لا تزيدوا على أحد عشر ركعة لأن النبي لم يزد على أحد عشر ركعة.

جمهور الأمة على أن كمال صلاة التراويح 20 ركعة

       فالنفي هنا لا يقتضي الاستغراق، ولا يمكن أن نحمل الناس على هذا النفي لأن الذي نفى القدر الذي رآه هو الذي سمعه، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، لا سيما أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أصح الروايات بل ليس سيدنا عمر، سيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا علي وجمهور الصحابة والتابعين وتابع التابعين وتابع تابع التابعين لأكثر من ألف ومائتين سنة كانوا يصلون التراويح عشرين ركعة، فنقول: هل نلزم الناس بالعشرين؟ لا، صل ركعتين، صل أربع، صل ست، صل ثمان، صل عشر، صل ثنتي عشر ركعة، صل أربعة عشر ركعة، الكمال عشرون، الجمهور عند أهل السنة والجماعة أن الكمال عشرون ركعة، وذهب الإمام مالك أن أهل المدينة يصلون التراويح بستة وثلاثين ركعة في أيام التابعين، وذهب الإمام مالك أن كمال التراويح أربعون ركعة، لكن المشهور عند مالك والمعتمد في المذاهب الأربعة أي عند جمهور أهل السنة والجماعة أن كمال التراويح عشرون ركعة.

      هذا مقرر، إنسان يريد أن يصلي أقل يصلي أقل لكن لا يقول هذا سنة، كما يقول بعض، لا أريد أن أقول الجهال، ولكن المستعجلين، يقولون أن سنة النبي ثمان، وسنة عمر عشرين، استغفر الله، وهل جاء عمر ليخالف سنة النبي؟ أعوذ بالله من هذا الكلام، كلام خطير، لا، نقول صل ثمان صل ست صل عشر، هي نافلة ليست واجبة وما يبعثك الله من الهمة فصله ولكن لا تقول هذه سنة، كمال السنة عشرون ركعة وهو الذي عليه جمهور أهل السنة والجماعة والحرمين الشريفين ألف وأربعمائة سنة، فما يتأتى عالم يأتي بفهمه واجتهاده يخرج من الاجتهاد يناقض إجماع الأمة، يناقض ما عليه الأمة قولاً وعملاً، صل ثمان ركعات، صل أربع صل ست، قل هذا ما أطيقه، هذا ما أرتاح إليه، هذا ما أجد نفسي تنشط إليه، لكن لا تعلق أمر كسلي، واحد من الشباب يقال له مالك لا تكمل العشرين؟ يقول لا السنة ثمان، وهو كسلان يريد أن يذهب ليرتاح، صل ثمان، صل أربع، صل عشر لكن للكلام عن السنة لا تحتج كلام السيدة عائشة عندما تقول “ما زاد رسول الله” لأن السيدة أم سلمة تقول أنه زاد، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.

الترك لا يفيد التشريع إلا بقرينة

      وبهذا يعرف أنه ليس كل نفل وكل ترك في الشريعة يفيد الحكم، ولهذا قرر علماء الأصول قاعدة انتبهوا لها، قالوا: الترك لا يفيد تشريعاً إلا بقرينة، إذا سمعنا أن النبي ترك شيئا ليس معناه أن نتركه، “ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا”، ما قال وما تركه فاتركوه، لأن الترك لا يفيد التشريع إلا إذا جاء الترك مرتبطا بنص، نقول تركه لأنه يترك، تركه لأنه ينبغي أن يفعل كذا، لهذا النبي صلى الله عليه وسلم عندما صعد على المنبر وقال إن الله قد فرض عليكم حج بيته الحرام، قام أحد الحاضرين قال يا رسول الله مرة في العمر أم في كل عام، التفت إليه النبي، قال لو قلتها لوجبت ولعجزتم، ما استطعتم، أنا مشرع لساني بلاغ عن الله، لو قلت لصارت واجبا، ولما استطعتم أن تقوموا بهذا الأمر، فخذوا ما آتيتكم، بعد ذلك عندك همة تريد أن تحج في كل سنة بارك الله فيك توكل شريطة أن تقوم بالأمر على وجهه، لكن لا يتأتى أن يأتي الشخص فيقول لا يجوز أن نحج في كل سنة لأن النبي ما حج في كل سنة، نقول ليس الأمر كذلك فالترك لا يفيد التشريع إلا بقرينة.

      ما الذي استفدناه من هذا الحديث؟ أننا إذا قرأنا حديثاً لأحد الصحابة يقول ما فعل رسول الله، أو ما زاد رسول الله، أو ما ترك رسول الله، لا نأخذ من هذا النص ولو كان النص صحيحاً إطلاق المسألة لأنه قد يكون هناك نص آخر يبين خلاف ذلك، فينبغي التريث. طيب ماذا نعمل، ما عندنا وقت نبحث في النصوص كلها، نقول صحيح ليس عندك وقت تبحث في النصوص كلها لكن هناك علماء فرغوا حياتهم للبحث في النصوص، أنت خذ بكلام من فرغوا حياتهم في البحث في النصوص فهم أئمة للهدى الذين ينبغي أن تقتدي بهم.

كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً وَأَيُّكُمْ يُطِيقُ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطِيقُ

     تقول السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها “وأيكم يطيق ما يطيق رسول الله”، هي قالت ما يختص شيئا من الأيام، لكن قالت كانت عمله ديمة، إذا عمل شيء لا يتركه، يستمر فيه، مثلكم لا يطيق ما يطيقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما سألوها عن القبلة في الصيام، قالت نعم ولكن أيكم يملك إربه كرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما سألوها عن المباشرة في وقت الحيض قالت أيكم يملك إربه كرسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنها لفتت النظر ونبهت السائل إلى أنك ينبغي أن تقتدي بالحبيب لكن ينبغي أن تدرك عند الاقتداء وتستشعر أنه رسول الله فخذ من العمل ما تطيق وواظب عليه واستشعر أنه رسول الله أي أن المقام عال. نسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم كمال هذا الاستشعار، ويبارك لنا ولكم في العمل.

الدروس المستفادة من الأبواب الثلاثة

     والشاهد من هذه الثلاثة الأبواب التي قرئت، الخلاصة من ذلك أن الإنسان إذا فوت شيئاً من الأوراد من النافلة من الصيام يستحب له أن يقضيه، فهذا ما فهمناه من سؤال الرجل عن صيام سرر شعبان، آخر شعبان، واستفدنا أيضاً من الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ألا يفرد يوم الجمعة بصيام إلا أن يكون ورداً، وألا ينبغي أن يسبق بيوم أو يلحق بيوم آخر، وتعلمنا من الحديث الثالث أن النبي صلى الله عليه وسلم كما فهمت أو رأت السيدة عائشة أنه لم يكن يقصد يوماً بعينه بالصوم ولكنه إن صام يوماً واظب عليه من باب أن أعمال الأنبياء ديمة، وجمع بين هذا وبين الأحاديث الاخرى الكثيرة أنه خصص بعض الأيام بالصوم فحمل كلام السيدة عائشة على أنه لم يخصص غير الاثنين والخميس، وخص الثلاثة الأيام البيض، رضي الله عن السيدة عائشة.

    رزقنا الله وإياكم العمل بالعلم، وجعلنا وإياكم من الصادقين المقبلين عليه الثابتين على خدمة دينه، المرتقين في مراتب المحبوبية لديه، وبارك لنا ولكم في هذا الشهر، وجعلنا وإياكم من صوامه وقوامه وعتقائه من النار،

    اللهم إن لك في كل ليلة من ليالي شهر رمضان عتقاء وطلقاء ونقذاء وأسراء أجراء وأمناء من النار، فاجعلنا اللهم والحاضرين ووالدينا ووالديهم ومن عمر هذا المسجد ومن عمر عنه وسائر المسلمين من عتقائك وطلقائك ونقذائك واسرائك وأجرائك وأمنائك من النار،

    اللهم تب علينا توبة نصوحاً، طهرنا بها جسماً وقلباً وروحاً، واجعلنا من أهل العلم ظاهراً وباطناً، ثبتنا على الحق فيما نقول وفيما نعتقد وفيما نعمل، وفيما ننوي، واجعلنا من المحبوبين لديك،

    وفرج اللهم عن أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر، وردنا  وإياكم إليك مرداً جميلاً. اللهم فرج عن إخواننا في فلسطين وفرج عن إخواننا في العراق، وفرج عن إخواننا في السودان، وفرج عن إخواننا في لبنان، وفرج عن أهل لا إله إلا الله، في مشارق الأرض ومغاربها، عجل لأهل هذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويتاب فيه على أهل معصيتك، كن لنا وليا، وبنا حفيا، واسلك بنا مسالك الصادقين معك يا رب العالمين،

      واجعل آخر كلامنا في الدنيا “لا إله إلا الله محمد رسول الله” صلى الله عليه وسلم متحققين بحقائقها حساً ومعنى، ظاهراً وباطنا برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تخريج الأحاديث بحسب السياق

  • صِيَامُ عَرَفَةَ إني أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ التي بَعْدَهُ ( سنن أبي داوود، باب في صوم الدهر تطوعاً )
  • ” يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ ، فَلاَ تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامٍ ، إِلاَّ أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ ” أحمد 2/532 ( 10890)
  • فَلَمَّا كَبِرْتُ وَدِدْتُ أَنِّى كُنْتُ قَبِلْتُ رُخْصَةَ نبي اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم( مسلم، النهي عن صوم الدهر لمن تضرر)
  • وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ ؟ قَالَ: ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ ( أحمد 5/297 ( 22537)
  • ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ (أحمد 5/201(22096)

تعليق واحد

  1. H.M.AL 14 سبتمبر 2009 الساعة 12:38 ص

    جزاك الله خيرا يا حبيب ونفع الله بك ورزقك الاخلاص

أكتب تعليق

(*) حقول مطلوبة

أعلى الصفحة