المجلس العشرون: باب صوم يوم عرفة

 

يتناول الحبيب علي الجفري بالشرح خلال المجلس حديثين أوردهما الإمام البخاري في الباب ، سعت سيدتان في سياقهما إلى استجلاء  حقيقة صوم النبي عليه وآله الصلاة والسلام يوم عرفة في حجة الوداع ، إذ من المعروف فقهاً وشرعاً  أن صوم عرفة لغير الحاج مستحب ومندوب لما فيه من الأجر، لكن المسألة التي يوردها الإمام البخاري هنا تتصل بصوم يوم عرفة للحاج.

ثم الانتقال إلى غيرها من الدلالات المتضمنة في الباب من قبيل :

  • من فطنة السيدتين وحسن تصرفهما في استجلاء موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم

  • إذا قيل لك اختلف العلماء في مسألة فقهية فلك أن تأخذ بأي من الأقوال لكن دون ترجيح

  • جميع ما ذهب إليه أئمة الفقه صحيح  وله سنده وأدلته وإن خفيت على غير أصحاب المذهب

  • لو أراد الله أن يجمع المسلمين في المسائل الفقهية على رأي واحد لجاءت النصوص واضحة لا تقبل الاجتهاد

  • من بدع المتأخرين حمل الناس على قول واحد في الفقه بما أدى إلى العنت والمشقة

  • الاختلاف في أصول الأخلاق  والعقيدة تشتت لا رحمة

  • أن الصحابة كانوا في مشهد  عرفة ينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعين التعظيم والإجلال حتى أنهم تهيبوا من سؤاله عن الصوم

  • من يتقزز من سماع حديث فَو َاللهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ فليراجع مدى صدق إيمانه.

  • فرح المسلمون بحديث المرء مع من أحب كفرحهم بالإسلام

  • نساء المؤمنين كن صويحبات فطنة وقد أخذ الصحابة بمشورة إمرأتين في مسألة فقهية

 

    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وبالسند الصحيح المتصل إلى إمام المحدثين أبي عبد الله محمد  بن  إسماعيل بن  بردزبة البخاري الجعثي مولاه رحمه الله تعالى ونفعنا به وبكم وبسائر الصالحين آمين، قال باب صوم يوم عرفة.

* استمع للحلقة

نص البخاري

بَابُ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ

- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَيْرٌ مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ حَدَّثَتْهُ ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ صَائِمٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ بِصَائِمٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ فَشَرِبَهُ

- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّاسَ شَكُّوا فِي صِيَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِحِلَابٍ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي الْمَوْقِفِ فَشَرِبَ مِنْهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ

تتصل المسألة بصوم يوم عرفة للحاج وليس لغير الحاج

     سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، في هذا الباب يتحدث الإمام البخاري رحمه الله تعالى بما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة بالنسبة للحاج، أما غير الحاج، فمن المعلوم أن صيام يوم عرفة مستحب بل متأكد، وأن صيام يوم عرفة ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يرجى لصائمه أن يكثر الله ذنوب سنته، وفي رواية أن الله يكفر ذنوب سنته والسنة التي تليها، لكن الحديث هنا أو الباب هنا عن الحاج نفسه، هل يندب للحاج أن يصوم في يوم عرفة؟

هل يندب للحاج أن يصوم يوم عرفة

      اختلف الفقهاء في ذلك، فمالت طائفة من الفقهاء أنه لا يندب أن يصوم يوم عرفة حتى يقوى بذلك على العبادة والصبر الذي يكون في ذلكم اليوم من مشقة، فيكون مهيئاً للعبادة والتلاوة والدعاء، والتضرع والابتهال، وذهبت جماعة من العلماء إلى أنه يندب في حال عدم حصول الضعف عند الإنسان. الإنسان الذي جرب من نفسه أنه لو صام يوم عرفة فإنه لن يتأثر بصيامه ولن يعجز أو يضعف عن أن يؤدي العبادات من تلاوة وذكر  فله أن يصوم يوم عرفة، غير أن الأكثر على أن يوم عرفة مندوب الصيام لغير الحاج، أكثر العلماء على أنه يندب لغير الحاج أن يصوم يوم عرفة.

من فطنة السيدتين وحسن تصرفهما في استجلاء موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم

     وذكر هنا حديثين أولهما عن أم الفضل بن الحارث والثاني عن ميمونة بنت الحارث، والحديثان ذكرا نفس الواقعة، نفس القصة، فقال شراح الحديث ربما كانت أم الفضل وميمونة معاً في مجلس واحد، فتحدث الناس في المجلس في يوم عرفة في مكان واحد وقالوا هل النبي صائم اليوم أم غير صائم؟ لأنهم يعلمون أن النبي كان في كل سنة يصوم يوم عرفة، لكن في هذه السنة هو حاج، فهل هو صائم أم غير صائم، وتهيبوا أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنهم من قال إنه صائم كعادته، فهو في كل سنة يصوم يوم عرفة، وإن كان حاجاً، ومنهم من قال هو غير صائم، بل أفطر، فكان من ذكاء أم الفضل وذكاء ميمونة رضي الله عنهما أنهما أرسلتا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوعاء فيه لبن، والنبي صلى الله عليه وسلم على دابته يدعو الله عز وجل ويتوجه إليه ويتضرع، أي بعدما خطب الناس يوم عرفة من على ناقته ثم قام يتوجه إلى الله ويتضرع، فأرسلتا إليه بشيء من اللبن، فلما وصل اللبن إليه أخذه وقال بسم الله وشربه، فلما رأى الناس أنه شرب اللبن أمام أعينهم علموا أنه لم يصم في هذا اليوم فتحقق عندهم هذا الأمر، فعلم من ذلك أن صيام يوم عرفة متأكد على غير الحاج، وبالنسبة للحاج ففي المسألة قولان، الأشهر عند العلماء ألا يصوم في يوم عرفة، وبعض العلماء ذهبوا إلى أنه يصوم بشرط أن لا يضعفه الصوم، فإن كان يعلم من قوته أنه إذا صام لن يضعفه الصوم فلا إشكال.

إذا قيل لك اختلف العلماء في مسألة فقهية فلك أن تأخذ بأي من الأقوال لكن دون ترجيح

        وهنا يأتي سؤال، هناك من العلماء من يقول: يصوم الحاج يوم عرفة،وهناك من العلماء من يقول لا يصوم الحاج يوم عرفة ، إذاّ  أين الاحتياط، وماذا أفعل في هذه الحالة؟ علماء يقولون يصوم الحاج في يوم عرفة إذا لم يكن يضعف، وعلماء آخرون يقولون لا يصوم، ففي هذه المسألة وفي غيرها من المسائل ، إن قيل لك علماء، ومعنى علماء أي مجتهدون أئمة يقتدى بهم من أهل الاجتهاد وأهل الفقه الثقات، إن قيل في مسألة من مسائل الفقه ذهب أحمد إلى كذا وذهب الشافعي إلى كذا وذهب مالك إلى كذا وذهب أبو حنيفة إلى كذا فلك أن تأخذ بأي من هذه الأقوال، ولا يتأتى للإنسان أن يقول نعم رأي مالك كذا ورأي الشافعي كذا والأرجح في الدليل مذهب الشافعي أو مذهب مالك، فهذه مقولة ليست صواباً عند التدقيق، لأن الذي يقول أرجح فهي أرجح بالنسبة لمن؟ أرجح بالنسبة للذي يتكلم، فهي أرجح بالنسبة له ولكن بالنسبة للشافعي الأخرى له أرجح، فكلمة أرجح لا ينبغي أن ينطق بها طالب علم يعي الكلمة التي يقولها إلا إن قال الأرجح عندي، الأرجح عنده هو أصبح أرجح عند الذي قال هذه الكلمة، لكن لا يتأتى أن نقول في مسألة من المسائل  على الإطلاق راجح قول أحمد على الشافعي، أو راجح قول مالك على أحمد، هل اتضحت المسألة أم أعيدها؟

      ففي مسألة من مسائل الفقه نجد الناس يقولون نسمع البعض  يقول فهم الإمام مالك من الدليل كذا، وفهم الإمام أبو حنيفة من الدليل كذا، والأرجح ما ذهب إليه أبو حنيفة، إن قال “الأرجح عندي” فنقول حسن، هذا الأرجح عندك أنت، لكن الأرجح عند الإمام مالك خلاف ذلك، وقد يميل قلبي إلى ترجيح الإمام مالك على ترجيحك أنت الذي تعاصرني وأعرف أنك دون مستوى الإمام مالك في العلم، لكن أن يأتي إنسان ويقول “الأرجح بالدليل كذا” فهذا افتئات على العلم، هذا تعدي على العلم، إذا سمعنا رجلاً يقول ذهب مالك إلى كذا والشافعي إلى كذا والأرجح إطلاقاً كذا، فهو غير عالم مدقق، ولا يؤخذ من كلامه في هذه المسألة، لماذا؟ لأنه فاته التدقيق، الأرجح عند من؟ إن كان قال الأرجح عندي والله أعلم أن المسألة كذا، هو رأى من نفسه أنه يرجح مرتبة من العلم يرجح بها، فهو أرجح بالنسبة له هو، ولا نستطيع أن نقول “الأرجح بالدليل”، لأن هذا الأرجح بالدليل بالنسبة لفهمه هو، مالك ذهب في فهم الدليل إلى كذا، والشافعي ذهب في فهم الدليل إلى كذا  زيد من الناس في  عصرنا قال الأرجح كذا فهو ترجيحه هو، لكن لا يعد هذا الترجيح هو إطلاق في العلم، والذي يظن أنه إطلاق فبضاعته في العلم ضعيفة.

جميع ما ذهب إليه أئمة الفقه صحيح بالتطبيق على مسألة لمس المرأة الأجنبية

      المسألة الثانية، جميع ما ذهب إليه الأئمة الأربعة صحيح، فكيف نقول أن جميع ما ذهب إليه الأئمة الأربعة صحيح ؟ واحد يقول أن لمس المرأة الأجنبية ينقض الوضوء، وآخر يقول أنها لا تنقض، واحد يقول تنقض على الإطلاق، فكل لمس لامرأة أجنبية ينقض، أي كل امرأة ليست بمحرم تنقض، والثاني يقول أبداً لا تنقض ولو كان بشهوة، والثالث يقول إن حصلت الشهوة ينقض وإلا فلا ينقض الوضوء، فأين الصحيح؟

     يأتي بعض الناس فيقول الدليل عند فلان، نقول له لا، الدليل عند فلان من وجهة نظرك أنت، لكن كلهم عندهم أدلة، وأدلتهم موجودة في كتبهم، وكونك  لم تطلع على أدلتهم لا يعني بحال أنه ليس لهم أدلة،  لكن خلاصة الكلام هل لمس المرأة ينقض الوضوء أو لا ينقض؟ نقول لهم : ينقض ولا ينقض، كيف؟ لأن الإمام الشافعي ذهب إلى أنها تنقض، وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنها لا تنقض، وذهب الإمام مالك والإمام أحمد إلى أن الشهوة شرط في النقض، أو التعمد عند مالك زاد على ذلك أنه شرط في النقض ولو لم يكن بشهوة، فعلمنا أن هؤلاء فهموا من أدلتهم، إذاً و ماذا أعمل أنا ؟ اعمل بما شئت من هذه الأقوال الأربعة فكلها صحيحة، لأنها كلها مبنية على دليل.

لو أراد الله أن يجمع المسلمين في المسائل الفقهية على رأي واحد لجاءت النصوص واضحة لا تقبل الاجتهاد

     ما الحاجة إلى هذا كله؟ نقول سؤال مهم، لماذا نأتي بثلاثة أو أربعة أقوال، لماذا لا نأخذ من الكتاب والسنة قولا واحدا ونجتمع عيه، فنقول لو أن الله تعالى أراد أن يجمع المسلمين في المسائل الفقهية على رأي واحد لجاءت النصوص واضحة لا تقبل الاجتهاد، أليست هناك نصوص جاءت في الكتاب والسنة لا تقبل تعدد الآراء؟ “شهد الله أنه لا إله إلا هو” هذه فيها اجتهاد؟ أكثر مسائل الفرائض وتقسيم المواريث في الفقه، أكثرها مقطوع به، منصوص عليها في القرآن، لهذا لا يوجد اختلاف كبير بين الفقهاء في الفرائض، والاختلاف في أمور محدودة، لكن غالب مسائل الفرائض جاءت قطعية الثبوت قطعية الدلالة، لا تقبل اختلافا، أما كان الله قادراً سبحانه وتعالى وهو على كل شيء قدير، أن يأتي بنصوص في الكتاب وينطق نبيه صلى الله عليه وسلم بنصوص في السنة لا تأخذ احتمالات؟ بلى وهو على كل شيء قدير، على أن يجعل النصوص ليست فيها احتمالات، فلماذا جعلها كذلك؟ عبثاً أم أن أفعال الله قائمة على حكمة؟ لا شك أنها ليست عبثاً، “أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون. فتعالى الله الملك الحق”.

      إذاً لم توجد قابلية للاختلاف في النصوص إلا لمصلحتنا،  أي ليأتي الاختلاف بين الفقهاء فيسع حاجة الأمة، فإذا جئنا في مجتمع يحتاج إلى شيء من الحيطة، فيه نوع من استسهال الاختلاط في محل العمل بين الرجال والنساء ، فنقول نحن على مذهب الإمام الشافعي، أي أن اللمس مطلقاً ينقض الوضوء، حتى نوجد الحواجز فلا يستسهل الرجل والمرأة الأجنبية مسألة  التواصل بينهما،  لكن لو جئنا إلى مثل الطواف حول الكعبة ، وتريد أن تأخذ بقول الشافعي السابق في مسائل الطواف، وإذا كان كل لمس لامرأة أجنبية سوف ينقض الوضوء فلن تستطيع أن تكمل السبعة أشواط في الطواف ، ولهذا نحتاج  هنا إلى فقه الإمام أبي حنيفة من أنه لا ينقض مطلقاً، وعليه فقس.

لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة

      فوجود تعدد وتنوع حاجات الناس وأحوالهم اقتضى تنوع الأحكام، وحتى تستوعب الشريعة اختلاف الناس واختلاف الأزمان والأمكنة جاء التنوع في شريعتنا، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة”، أخذ بعض الصحابة بظاهر النص وأن النبي ينهاهم عن صلاة العصر إلا في بني قريظة فخرجوا عن وقت العصر ، وأخذ البعض منهم بفهم النص وقالوا إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم منا الإسراع لا تفويت وقت العصر، مثلما تقول لواحد: يا فلان لا تحط عقالك على رأسك إلا وأنت عندي،  فهل معناه أن يسير فلان وعقاله في يده ولا يضع العقال على رأسه أم أن  المقصود من وراء الكلام أن أسرع في مشيك؟  فلم ينكر الرسول عليه الصلاة والسلام على أي من الفريقين والأعجب أنه عليه الصلاة والسلام لم يرجح، فلم يقل هؤلاء أرجح من هؤلاء، والنبي كان قادراً على أن يرجح، فلماذا؟ ليدع لنا فرصة التنوع في الأحكام الفقهية.

من بدع المتأخرين حمل الناس على قول واحد في الفقه بما أدى إلى العنت والمشقة

      فمن البدع التي ظهرت في طلبة العلم المتأخرين الآن، حمل الناس على قول واحد في الفقه، مما يجعل الناس تضيق بالدين، ويصعب على الناس أن تلتزم بدينها إذا حملنا الناس كلها على قول واحد. لهذا الإمام مالك رحمه الله تعالى، إمام دار الهجرة، قال الإمام الشافعي: “إذا ذكر العلماء فمالك النجم”، لما جاء إليه جعفر المنصور وأعجب به قال الموطأ هذا كتاب عظيم، موطأ الإمام مالك في الحديث وقسمه على أبواب الفقه، قال أعلق الموطأ على باب الكعبة، وأحمل المسلمين على العمل بما فيه، أي أجعل المسلمين كلهم يتوحدون على العمل بمذهبك يا مالك، هذه فرصة إذا كانت المسألة فيها وحدة للمسلمين وجمع للشتات كما يتوهم البعض ولا نحتاج إلى تعدد المذاهب، فكانت فرصة لمالك  أن يوحد المسلمين على الموطأ، لكن الإمام مالك رفض، وهذا الرفض لإخلاص الإمام مالك، وعلو شأنه في المعرفة بالله والصدق مع الله، وفهمه في أحوال الأمة، فقال: لا يا أمير المؤمنين، إن أصحاب رسول الله تفرقوا في البلدان، وكل منهم حدث الناس بما سمع، فلا تحمل الناس على قول واحد، فتعلمنا من ذلك أن الإمام مالك رأى أنه لا ينبغي أن يجتمع الناس على قول واحد في الفقه، بل ينبغي أن يكون هناك التعدد وهذا السلف رحمهم الله تعالى رضي الله عنهم أجمعين.

الاختلاف في أصول الأخلاق والعقيدة تشتت لا رحمة

    إذاً الجواب على السؤال: لماذا توجد الاختلافات لأكثر من رأي و لأكثر من وجهة؟ للرحمة بالمسلمين في اختلاف الأمة، بهذا المعنى يكون رحمة، أي توسعة للناس فيما هم عليه، لكن لا يكون الاختلاف رحمة إذا اختلف الناس في أصول العقيدة، فهذا يعتبر من قبيل  التشتت في الدين، فلا يعتبر الاختلاف رحمة إذا اختلف الناس في الأخلاق، فلا نختلف في الأخلاق، أسس مبادئ الأخلاق لا نختلف حولها، إنما الاختلاف في المسائل الفقهية، حتى تتسع الأحوال للأمة ويستطيع الناس أن يعملوا بهذه الأقوال فيستقيموا على أمر دينهم، فهذا جواب على السؤال الأول وهو لماذا تختلف الآراء الفقهية.

أن الصحابة كانوا في مشهد عرفة ينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعين التعظيم والإجلال

     بقيت في هذين الحديثين مسألة وهي أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا في مشهدهم للنبي صلى الله عليه وسلم ينظرون إلى النبي بعين التعظيم، كانوا يحبون رسول الله  بيقين، حتى قال أبو سفيان قبل أن يسلم، عندما وقف على زيد بن الدثنة رضي الله عنه من الصحابة الذي أخذته قريش وعذبته، فأخذوه وأخرجوه خارج حدود الحرم، سبحان الله، وهم كفار كانوا يحترمون حدود الحرم، لا يقاتلون فيها، وجاء ناس باسم الدين يفجرون ويقاتلون ويضربون في داخل حدود الحرم والعياذ من ذلك، لكن الكفار وهم كفار احترموا حدود الحرم، وهم سيرتكبون جريمة قتل صحابي، فأخرجوه من حدود الحرم لعظم حرمة الحرم عندهم، فكيف بالمسلمين يجترئون على قتل وقتال وتفجير وأذى في داخل حرم الله سبحانه وتعالى، أخرجوا زيد بن الدثنة خارج حدود الحرم، وصلبوه على جذع خشب، تعذيباً له وتشفياً فيه، فلما قرب من الموت أقبل عليه أبو سفيان، وقال له: أناشدك الله يا زيد، أتحب أن محمداً الآن عندنا مكانك، نضرب عنقه وأنك آمن في أهلك على الحياة؟ أي تسلم أنت ونضرب محمد، فغضب سيدنا زيد وقال: إليك عني، فو الله ما أحب أن محمداً الآن تصبه شوكة، وأنني آمن في أهلي على الحياة ، فقال أبو سفيان مقالته المشهورة: “ما رأيت أحداً يحب أحدا، كحب أصحاب محمد محمدا”، فكانوا ينظرون إليه بعين الحب فلهذا تابعوه واقتدوا به.

    والعين الثانية التي نظروا بها إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم كانت هي عين التعظيم والإجلال، فكانوا يعلمون أنه بشر صلى الله عليه وآله وسلم، وهم ما أخرجوه عن البشرية، لكنهم كانوا يعلمون أ ن في هذه البشرية نوع خصوصية، حتى قال موفد قريش، لما أرسلت قريش أحد الرجال موفدين في صلح الحديبية قبل أن يقرروا الصلح، قبل أن يرسلوا صهيب، من بني ثقيف أرسلوه، قالوا: كيف سمعت الخبر، سمعنا أن محمداً جاء للعمرة بدون أسلحة، صحيح جاء بدون أسلحة؟ فرصة نقتله؟ ماذا ترى؟ قال: أطيعوني ولا تقاتلوه، قالوا لماذا، هل صبأت؟ قال لا ولكني دخلت على كسرى في ملكه، وعلى قيصر في ملكه، وعلى النجاشي في ملكه، فلم أر أحداً يعظم أحدا كتعظيم أصحاب محمد محمدا، يا قوم إنهم يجلسون بين يديه لا يحدون البصر إليه، لا ينظرون إليه، أبصارهم خاضعة يغضون الطرف وهم في حضرته، فإذا تكلم كانوا كلهم آذاناً سامعة، يا قوم، إنه ما توضأ وضوءاً، إلا كادوا يقتتلون على فضلة وضوءه، أي الماء الذي يتساقط من جسمه ، فإن وجد أحد منهم شيئاً مسح به جسمه، وإن لم يجد، أخذ من البلل الذي في يد صاحبه فمسح به وجهه، يا قوم (سأقول هنا كلمة أعلم أنه من الانحطاط الذي وصلت إليه الأمة في مستوى أدبها مع النبي وتعظيمها للنبي قد لا يعجبهم الكلام الذي سأقوله الآن، لكنه من صحيح البخاري) يقول: يا قوم إنه ما تنخم نخامة (أي ما تفل) إلا وقعت في يد أحدهم يدلك بها وجهه.

     فهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم أعظم الناس التزاماً على قدم التوحيد. أعلم أن البعض سيتقزز، لكن يا إخواني، لا يوجد أحد أنظف من الصحابة رضي الله عنهم، وما نحن اليوم بصابوننا ومياهنا وثيابنا الجديدة وسياراتنا وفرش بيوتنا أنظف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا أتقى لله ولا أورع ولا أرقى منهم، لكن أتعرفون ما الفرق؟ الفرق أنهم الصحابة الذين كانوا ينظرون إلى النبي بغير العين التي ننظر بها، وكانوا يعلمون أنه بشر لكن كانت قلوبهم مليئة بإجلال سيدنا محمد، وبتعظيم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.

     ومن هذا التعظيم استحى أكثر الصحابة أن يكلموا النبي ويسألوه أأنت صائم أم مفطر يا رسول الله؟ تهيبوه، كان بعض الصحابة يقول: كنا نتهيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا جاء الأعرابي من البادية، يأتي البدوي من البادية ليس عنده ما يسمى اليوم بالبرتوكولات التي اعتادوها الناس في حياتهم، فيتكلم بصدق وعفوية، فإذا جاء رجل من البدو، من الأعراب، أخذ يسأل رسول الله نفرح، نُسَر، لأنه يخرج من رسول الله شيئاً كنا نتهيب أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، قال حتى جاء أعرابي إلى رسول الله وناداه، قال: يا محمد، وما كان الصحابة ينادون النبي بـ “يا محمد”، ولكن كانوا يقولون “يا رسول الله”، “يا أبا القاسم”، “يا نبي الله”، والله تعالى نهانا  أن نجعل دعاء النبي كدعاء بعضنا البعض، لا بد أن ينادى النبي بشيء من الإجلال، فاستغربوا، يقولوا تريث يا أخا العرب، قال: لا أناديه إلا هكذا، هو ما يريد قلة الأدب ولكن الرجل يتكلم بسليقته، جاء من باديته ودخل، قال: يا محمد، قال له النبي: “هاؤم” أي لبيك، قال: الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم، يؤدي الفرائض و يترك المحرمات ولكن لا يستطيع أن يكون مثلهم ، “الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم”، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “المرء مع من أحب”، ولهذا يقول الصحابة رضي الله عنهم: فما فرحنا بحديث بعد الإسلام كفرحنا بهذا الحديث. وكان سيدنا أنس إذا روى هذا الحديث يقول : وأنا أحب رسول الله، وأحب أبا بكر، وأحب عمر، وأرجو أن أحشر يوم القيامة معهم.

      فتعلمنا من هذين الحديثين أن الصحابة كانوا يجلون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعلمنا أيضاً من هذين الحديثين أن نساء المؤمنين كن صويحبات فطنة، وأن المرأة لها قيمة عندنا في الإسلام، فالرجال اختلفوا هل صام النبي صام أم لم يصم؟ فحلت المسألة امرأة، عندما أرسلت إليه باللبن ،فإن امتنع عن شربه فهو صائم، وإن شرب فهو مفطر، فذكرتنا هذه بموقف أم سلمة رضي الله عنه وأرضاها، لما رأت في وجه النبي مسحة من حزن، لما تثاقل الصحابة عن التحلل بعد  صلح الحديبية، عندما تضايقوا كيف يردهم الكفار عن البيت، ويمنعونهم عن العمرة، فترددوا في ذلك، وما كان معصية من ساداتنا الصحابة، وما اعتبروا الأمر على الوجوب،وإنما اعتبروه على الندب، فأشارت أم سلمة أن يا رسول الله اخرج أنت فتحلل، وانحر هديك وتحلل ، فلما تحلل رسول الله قاموا كلهم وتحللوا.

نساء المؤمنين كن صويحبات فطنة وقد أخذ الصحابة بمشورة إمرأتين في مسألة فقهية

     والشاهد من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بمشورة امرأة وهي سيدتنا أم سلمة، رضي الله عنها وأرضاها، والصحابة هنا أخذوا بمشورة امرأتين هما أم الفضل وميمونة في مسألة هل صام النبي صلى الله عليه وسلم أو لا، إذ كان مجتمع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم تعلموا من رسول الله أن لا يوجد فيه تكبر للرجل على المرأة، لا توجد فيه نظرة استعلاء من الرجل على المرأة مع أنهم كانوا قبل الإسلام يئدون المرأة وتورث مع المتاع ، لكنها تربية الحبيب صلى الله عليه وسلم، فما جاءت حجة الوداع هذه إلا وقد حول النبي عقليات العرب الذين حواليه، وحول نفسي، وجعل للمرأة قيمة واحتراما، فصارت تشير بالرأي فيؤخذ برأيها، ويعمل الناس ويقومون ويمضون على رأيها، وهذا من ارتقاء الإسلام بصلة الرجل بالمرأة.

    وقد أتينا إلى نهاية وقت الدرس ومر معنا في هذين الحديثين بعض الفوائد المباركة، ومنها أن الصيام في عرفة يستحب لغير الحاج، أما بالنسبة للحاج فالأشهر أنه لا يصوم، وإن كان البعض يقول له أن  يصوم إذا أمن الضعف، وأن النبي أفطر في يوم حجه في يوم عرفه صلى الله عليه وسلم.

    رزقنا الله وإياكم الفهم، وأخرجنا من الوهم، ورسّخ أقدامنا على حسن العلم، وجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم لا تحرمنا خير ما عندك لشر ما عندنا، أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وارنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، أكرمنا بما أكرمت به الصالحين واسلك بنا مسالك الصالحين، واجعلنا اللهم من الصالحين،

   اللهم بارك لنا في رمضان، اللهم بارك لنا في رمضان، اللهم بارك لنا في رمضان، ووفقنا فيه لحسن الصيام والقيام وتدبر القرآن، واجعلنا من الذين تكرمهم بليلة القدر، وترفع لهم فيها القدر، واجمعنا يا مولانا على حقائق الصدق معك، واجعل الشهر شاهداً لنا لا شاهداً علينا، اللهم سلمنا لرمضان وسلم رمضان منا وتسلمه منا متقبلاً،

   اللهم بارك في هذا المسجد وفيمن عمره وفيمن عمر عنه وفيمن تردد عليه وفيمن صلى وأم وعلّم، اللهم بارك في هذا المسجد وفي سائر مساجدنا وأصلح بين المسلمين ومساجدهم واجعلنا يا مولانا من الذين تصطفيهم لهداية قلوب الخلق، وتقريبها إليك يا رب العالمين،

    واحفظ اللهم هذا البلد وابسط فيه بسط الأمن والإيمان والهدى والصلاح والنور والطاعة والاستقامة والرشاد، وجنبه وأهله وسائر بلاد المسلمين أسباب الأذى والبلاء والفتن والمحن والأمراض والحروب والمعاصي والذنوب والفسوق، ووفق من وليتهم أمر هذا البلد لخدمة دينك وتطبيق كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، وأعنهم على ذلك ببطانة صالحة تؤيدهم على الخير، ومكن لهم في ذلك يا رب العالمين، وسائر من وليتهم أمور المسلمين، واجمع شمل علماء المسلمين ووحد صفوفهم،

   واحفظ اللهم الحرمين الشريفين، واحفظ المعتمرين وزوار سيد المرسلين، واقسم لنا من الحظ الوافر مما يتنزل على الكعبة المشرفة في هذه الليالي والأيام وما تقسمه للطائفين والعاكفين والقائمين والتالين كتابك يا رب العالمين،

   ونسألك اللهم أن تفرج عن إخواننا في فلسطين وفي العراق وفي لبنان وفي الصومال وفي السودان وفي الشيشان وفي مشارق الأرض ومغاربها، اللهم فرج عن الأمة، واكشف الغمة، وعجل للمسلمين بأمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويتاب فيه على أهل معصيتك

   واجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بحقائقها متحققين حسّاً ومعنى، ظاهراً وباطناً برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله عليه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تخريج الأحاديث والآثار حسب السياق

  • وَاَللّهِ مَا أُحِبّ أَنّ مُحَمّدًا الْآنَ فِي مَكَانِهِ الّذِي هُوَ فِيهِ تُصِيبُهُ شَوْكَةٌ تُؤْذِيهِ وَأَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي( سيرة ابن هشام)

  • مَا رَأَيْت مِنْ النّاسِ أَحَدًا يُحِبّ أَحَدًا كَحُبّ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ مُحَمّدًا ( سيرة ابن هشام)

  • لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ وَاللهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا( البخاري، باب الشروط في الجهاد والمصالحة )

  • وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ( البخاري، باب الشروط في الجهاد والمصالحة )

  • فَو َاللهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ( البخاري، باب الشروط في الجهاد والمصالحة )

  • كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَنَادَاهُ رَجُلٌ كَانَ في آخِرِ الْقَوْمِ بِصَوْتٍ جهوري أعرابي جِلْفٌ جَافٍ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ. فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ مَهْ إِنَّكَ قَدْ نُهِيتَ عَنْ هَذَا. فَأَجَابَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم نَحْوًا مِنْ صَوْتِهِ هَاؤُمُ فَقَالَ الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ. قَالَ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ( الترمذي، باب في فضل التوبة والاستغفار )

  • فَمَا رَأَيْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرِحُوا بِشَيْءٍ قَطُّ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الإِسْلاَمَُ، مَا فَرِحُوا بِهَذَا ، مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

أكتب تعليق

(*) حقول مطلوبة

أعلى الصفحة